شهد القرن العشرون ثورة علميّة، ومعرفيّة هائلة لم يسبق لها نظير، شملت مختلف ميادين العلوم الإنسانيّة والطبيعية، والتّطبيقيّة، وشهد مولد ميادين علميّة جديدة، لم تكن معروفة من قبل، ولم تكن التّربية بمنأى عن هذا التّطور، بل كانت من أكثر الميادين تأثّرًا، وتأثيرًا به؛ إذ ظهرت العديد من النّظريّات، والاتّجاهات التّربويّة الّتي سعت إلى استيعاب الحجم الهائل من العلوم، والحفاظ على هذا التّراث الإنسانيّ من خلال نقله للأجيال المتتالية؛ لتطويره من ناحية، ووضعه موضع التّطبيق من ناحية أخرى، وعملت؛ لتحقيق ذلك على الاستفادة من كلّ ما أنتجه العلم من نظريّات، وتطبيقات.
وحرص التربويّون في وقت مبكّر على توظيف تقنيات الاتّصال المختلفة الّتي بدأت تظهر هنا وهناك في خدمة العمليّة التّعليميّة؛ فبدأ الاهتمام بوسائل العرض المرئيّة، وبعدها المسموعة، وظهرت الوسائل السّمعيّة، والبصريّة بكونها ميدانًا تربويًّا جديدًا، ثمّ بدأ يظهر في الأدب التّربويّ مصطلح تقنيات التّعليم، وتحوّل الاهتمام من مجرّد استخدام الوسائل السّمعيّة البصريّة إلى دراسة عمليّة الاتّصال بين المرسل، والمستقبل في الموقف التّعليميّ، وإعداد الرّسالة التّعليميّة، واستخدام قنوات الاتّصال المناسبة.
وفي مرحلة كاملة، حدث تطوّر آخر في مجال تقنيات التّعليم نحو الاهتمام بالبيئة التّعليمية كاملة: المعنويّة، والمادّيّة، وتصميم الموقف التّعليميّ بجميع مدخلاته، وعمليّاته، ومخرجاته، وأصبح مفهوم النّظام، والأسلوب النّظاميّ مضامين جوهريّة في مفهوم تقنيات التّعليم، وأصبحت الوسائل التّعليميّة جزءًا من منظومة شاملة، تضمّ الإنسان، والأفكار، والأساليب، والأدوات، والإدارة، وجميع ما يؤثر في الموقف التّعليميّ.
لقد تطوّر مفهوم تقنيات التّعليم؛ نتيجة لدراسات عديدة، واعتمادًا على نظريّات تربويّة حديثة، خلصت بعمومها إلى قصور المفهوم المرتبط بالأجهزة، والأدوات عن تحقيق الأهداف المرجوّة من هذا الميدان المُهمّ، وهذه حقيقة، يدركها كلّ من ينظر إلى الأجهزة التّعليميّة المكدّسة في المدارس، والمؤسّسات التّربويّة.
لقد أحدثت التّطوّرات التّقنية الأخيرة تغييرًا في كثير من المفاهيم التّربويّة السّائدة، طالت النّظم الإداريّة، وبناء المناهج الدّراسيّة، والبرامج التّدريبيّة، بل ظهر من ينادي بمراجعة الشّكل القائم للمدرسة، ومن يجادل بضرورة وجودها في ظلّ وجود طرائق المعلومات السّريعة، ونظم الاتّصال عبر الأقمار الصّناعيّة، والملتيميديا، والهايبرميديا، والصّفوف، والمعامل الافتراضيّة، وما إلى ذلك من مفاهيم تقنية جديدة.